الديموقراطية ليست جوهر الصراع-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

الديموقراطية ليست جوهر الصراع

  يونس إمغران    

*** إن الاحتكام إلى الشعب و صناديق اقتراعه بعد نجاح مشروع الثورة و التغيير في بعض الدول العربية، يعطي نتيجة واحدة، لا لبس فيها، و لا يعتريها شك أو ظن أو طعن، هي صعود الإسلاميين إلى دفة الحكم.
لكن السؤال الذي يطرح في هذه الحالة، هو : هل الفضل في وصول الإسلاميين إلى الحكم يعود إلى الديموقراطية ؟ و هل الديموقراطية هي النظام السياسي و الإنساني الأسلم و الأنسب و الأقوم للبشرية ؟ و هل تطبيق الديموقراطية يتحقق بصيغة واحدة ؟ و شكل واحد ؟ و آليات واحدة ؟ و فلسفة واحدة ؟ أي أن الفشل و الإخفاق و النكسة تجتاح كل دولة أو شعب طبق الديموقراطية بطريقة مغايرة، و وفق آليات مختلفة، و أن المطلوب منا نحن العرب و المسلمين أن نستحضر نفس الوصفة السحرية التي تستعملها أمريكا – مثلا - في مطبخا لإنتاج نظامها الديموقراطي شكلا و مضمونا، و أن أي تزحزح - و لو قيد أنملة - عن تركيب صحيح لمكونات هذه الوصفة، قد يؤدي بنا إلى التهلكة و الخطأ في اعتناق الديموقراطية و في ممارستها ؟؟؟.
إن ديموقراطية فرنسا تختلف عن الديموقراطية البريطانية، و اليابانية تختلف عن الألمانية، و هذه الديموقراطيات جميعها تتباين فيما بينها و فيما بين الديموقراطية الأمريكية، و الخلاصة أن الديموقراطية وصفات عدة، و أشكال متنوعة، و نتائج تتشابه و تتقارب و تتباين هنا و هناك و هنالك.
فهل المطلوب منا أن نحتكم إلى الديموقراطية لنقيم العدل، و نحسن توزيع الثروة، و نحقق الحرية، و نبني الحضارة ؟ أم أن نحتكم إلى نظام حكم آخر يملك في ثنايا فلسفته و تقنياته، خريطة طريق أيسر و أقرب إلى الملامسة الفعلية و الحسية لثمار العدالة و المساواة و المواطنة ؟.
لقد وصل الإسلاميون إلى سدة الحكم في مصر و تونس و المغرب، و غدا سيصلون حتما إلى نفس السدة في ليبيا و اليمن و سوريا، بل و دول عربية أخرى قد نراها – خطأ - مستعصية اليوم على الاستجابة لمنطق الربيع العربي و هديره.. فهل من الواجب و المفروض و اللزوم عليهم أن يمتثلوا للديموقراطية دون الحياد عنها ؟ أم من حقهم البحث عن خيارات سياسية و إيديولوجية أخرى، قد يرون على أنها الأنسب – دون غيرها - لإقامة العدل، و عمارة الأرض، و تحرير الإنسان ؟.
إن الديموقراطية ليس قدرنا في الوطن العربي و لا الإسلامي.. قد تكون منهاج حياة سليمة في أمريكا، و قد تكون صمام أمان في أروبا، و قد تكون مدخلا إلى الجنة في الكيان الصهيوني.. لكنها قد لا تكون مطلوبة بلحمها و شحمها و عظمها في بلادنا العربية.
ديموقراطية أمريكا عنصرية بشعة في تعاملها مع العرب و المسلمين الحاملين للجنسية الأمريكية.. و ديموقراطية فرنسا قذرة و متسخة في تعاطيها مع قضايا المسلمين الفرنسيين العرب و الأفارقة.. و ديموقراطية بريطانيا و ألمانيا سالبة لحرية المغاربة و المصريين و الأتراك و غيرهم، و طاردة لهم خارج أراضيا.. لكن هذه الديموقراطيات نماذج رائعة و مغرية و متميزة في تحقيق الأحلام و الممكنات و المستقبليات لشعوبها.. نماذج فاعلة في دحض باطل أبنائها، و في إحقاق حقوقهم في الثروة و السلطة و الحياة.
قد ننجح في استعارة الديموقراطية و استيرادها.. و قد نتجاوز بها آلامنا و محننا و نكباتنا.. و قد ننهي بها عقودا و عهودا من الاستبداد و الفرعنة و القهر، رغم أن استبدادنا تقنع في مراحله العديدة بالديموقراطية و الاشتراكية و الليبرالية.. بيد أننا قد نخسر – أيضا - الكثير  من رهاناتنا و آمالنا إذا ما حاولنا أن نستظهر كراسة الديموقراطية و أبجدياتها الغريبة عن هويتنا و ثقافتنا.
فالحرية و العدل و الكرامة الإنسانية، مفردات تجسدت في عدد من وقائعنا التاريخية، و ناضل من أجل استنباتها في وسط بيئتنا الاجتماعية و السياسية نفر من رجالنا و شهدائنا، بل سعوا إلى استمرار إشعاعاتها التنويرية من خلال التوسل إلى أنظمة سياسية و حضارية لا علاقة لها بالديموقراطية، إن لم نقل أن هذه المفردات التنويرية و غيرها كثير، تم تحقيقها في الوقت الذي كانت فيه الديموقراطية تمثل نظاما استبداديا و عنصريا يميز بين الأحرار و العبيد في مختلف المجتمعات الأروبية.
و من ثمة، فإن الديموقراطية ليست ملزمة لنا نحن العرب و المسلمين، و لا ينبغي أن يركبنا الوجل، و يسكننا الرعب، و يداهمنا الشك، حين ينتفض ضدنا المنتقدون ، أو إذا ما ضربنا بهذه الديموقراطية عرض الحائط،، أو ضربنا بأيد من حديد على وجهها أو قفاها.. و كل من أراد أن يعيب علينا مروقنا منها، أو يكفرنا و يتهمنا بالمس بقدسيتها، فله أن يقول ما يشاء، و أنى يشاء.
و لكننا بالمقابل، مطالبون بأن نجد و أن نجتهد من داخل ثراتنا و ثقافتنا و تاريخنا و حاضرنا و مفاهيمنا و عقولنا، لكي نطرح و نبلور مشروعا ذاتيا نقيم به العدل، و نحرر به الأرض و الإنسان، و نقود به البشرية نحو حياة أفضل: أساسها التسامح و التعايش و الاحترام المتبادل.
نحن لسنا أقل من أجدادنا في تأصيل الممارسة السياسية، و لا في بناء الحضارة، و لا في الارتقاء بالفكر الإنساني و معرفته.. كما أننا لسنا أقل من الغربيين في فهم العصر، و في امتلاك مفاتيح العلم، و في الحفاظ على القوة و الندية و التنافسية.
إن الصراع ليس بيننا و بين الغرب في هذه المرحلة الراهنة، و لكن جوهر الصراع يكمن في مدى قدرتنا على أن نحقق العدل و الحرية و الكرامة انطلاقا من أنظمة سياسية و ثقافية و اجتماعية تعبر بصدق عن ما بداخلنا و وجداننا و أرواحنا التواقة إلى الحق. 



 
  يونس إمغران (2012-02-18)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الديموقراطية ليست جوهر الصراع-يونس إمغران

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia